الكذب بين الأزواج
2020/01/31
702

إن الكذب عملة ذات وجه واحد مظلم، صاحبها الخاسر دائماً، لا أحد يستسيغ طعمه المر والحقيقة تبقى أحلى هذا بين الأفراد، فكيف إن كانت بين اثنين يتشاركان كل شيء، وهما الزوجان حيث يبقى الصدق هو العامل الأهم لضمان الثقة بينهما.

الكذب صفة سيئة ومذمومة سواء أكان الكذب بجد أو بهزل ومزاح، والمرأة يجب ألاّ تكذب أبداً على زوجها وأولادها مهما كانت الظروف، والويل لتلك المرأة التي تتعود على الكذب؛ لأن الحياة الزوجية إذا سادها الكذب فإن جوّاً من عدم الثقة وعدم الوئام والتنازع والخلافات سيحل محل الألفة والمحبة والصفاء بين أفراد الأسرة ولا سيما بين الزوج والزوجة، وسيجعل كلاً منهما لا يقبل كلام الآخر ويسئ الظن به وتكون النتيجة أن يعيش كل من الزوجين كل لحظة في قلق واضطراب.

لنتحدث أولاً عن قباحة الكذب الذي هو خطأ من أخطاء الإنسان؛ لأن الأخلاق والعادات وأساليب الكلام وكذلك مظهر الوجه كلها تختلف من شخص لآخر، فبعضها جميل وبعضها قبيح وبعضها الآخر أكثر جمالاً من غيره، أو إن بعض تلك الأخلاق والعادات والصفات أقبح من غيره، وفيما يتعلق بأساليب الكلام والأقوال فإن الكذب هو من أقبح الكلام، فالكذب بمثابة الفأس التي تدمر بناء الأسرة كيانها المتين وتقتلع جذورها من الأساس وتزلزل أمنها وإستقرارها،فالزوج عندما يعود يجعل البيت مظلماً ومصيره ومستقبله غامضاً مجهولاً.

وإن الكذب يفصم عرى الثقة بين أفراد الأسرة الواحدة؛ إذ لا يمكن الإعتماد على الشخص الكذاب والوثوق به والإطمئنان إليه، فالقرآن الكريم يحدثنا عن قصة يوسف وكيف جاء إخوته وكذّبوا على أبيهم، حيث يقول تبارك وتعالى في القرآن الكريم: ( وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ* قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً)، فأخذ الوالد يعقوب(عليه السلام) قميص يوسف(عليه السلام) ونظر إليه بدهشة وتعجب وتسائل قائلاً: " كيف إن الذئب افترس ابني وقطع أوصاله في حين إن نيابه لم تمزق وبقيت سليمة؟"، فقد اكتشف كذبهم وزيفهم بشأن يوسف (عليه السلام).

إن الزوجة التي تكذب على زوجها قد ترتاح لبعض الوقت من الضجة التي يثيرها الزوج، ولكن الحقيقة سوف تتضح وتنكشف عاجلاً أم آجلاً ويظهر كذبها، وعندها ستحدث مشكلة أكبر وضجة أعنف، وتكون هذه بداية سوء الظن بين الزوجين؛ حيث تحرق نار شجرة الحياة الزوجية اليانعة الخضراء وتقضي على سعادة الأسرة وكيانها، وقد يشعل الكذب في حالات كثيرة شرارة تحرق كيان الأسرة وتقضي على هنائها وسعادتها وتفاؤلها واستقرارها وتحوّلها إلى رماد، إذن الكذب من أسوء الصفات ويجب على الزوجة ألاّ تكذب على زوجها وعلى أبنائها، قال الإمام عليه (عليه السلام): (الكذب آفة تفسد كل شيء، وليست هناك صفة أقبح من الكذب).

إن من أخطر المشكلات التي تواجه الأسرة خاصة في بدايتها قضية فقدان الثقة بين الزوجين، والتي مردّها في الدرجة الأولى الكذب –ولو أحياناً- من أحد الزوجين بحجة أن ذلك كذباً أبيضاً، وهذا في الحقيقة له تأثير كبير على الحياة الزوجية؛ لأن الكذب مهما كان صغيراً يبقى كذباً ويؤدي إلى إثارة الشك والقلق بين الزوجين، بالإضافة إلى كونه خُلقاً سيئاً وعادة خبيثة ممقوته، وهو يؤدي إلى فقدان الثقة بالشخص الكاذب حتى وإن كان ما يقوله صدقاً.
فمشكلة الكذب لها أضرارها الوخيمة على الحياة الزوجية وإفساد صفوها وخاصة عند إكتشاف أحد الزوجين كذب الطرف الآخر، مما يؤدي إلى إنتزاع عنصر الثقة بين الزوجين وفقدان الأمان في الحياة الزوجية.

وعندما يكتشف أحد الزوجين كذب الآخر لا يكون إكتشافه بسبب تفوق ذكائه، لكن الظروف دائماً ما تكون مسؤولة عن كشف الحقائق، وعادة ما يكون الطرف الذي يشك في كلام الآخر باستمرار هو الطرف الأكثر كذباً وإذا كانت العلاقة الزوجية متصدعة من الأساس فإنه في تلك الأجواء يمكن أن يؤدي الكذب إلى حدوث الإنفصال؛ لأنه يسبب حالة من فقد الثقة بين الطرفين.

للكذب دائماً مسببات وعلل وإذا حاولنا معرفة هذه الأسباب نستطيع حل المشكلة، وللكذب أسباب عديدة ومتنوعة منها: الخوف من قول الحقيقة أو تفادي حدوث مشكلة، أو الإستخفاف بالمشاعر، أو إخفاء خطيءٍ ما، أو عقاب للشريك، أو الحرج من قول الصدق، أو تجنب أزمة، أو إستهانة بالشريك، أو هروب من المواجهة الصريحة أو من أجل العناد للشريك أو تحدٍ زائف للشريك أو دفاع عن النفس أو من قبيل المزاح، أو من أجل تعويض نقص ما، أو الظهور بمظهر حسن، أو لإرضاء الشريك، أو للإعتقاد بأن الكذب منجاة، وهذه ربما أسباب ظاهرة تليها أسباب باطنة لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال التقرب منهما ومعرفة الدواعي الدافعة لذلك.

وبالنسبة لتأثير الكذب على الحياة الزوجية، فبالتأكيد إذا استمرت هذه الظاهرة بين الزوجين ولم يوجد لها حل أو تبيني الأسباب لتجاوز المشكلة، فإن استمرارها والتعوّد عليها يشكل بالنسبة لهما مشكلة حقيقية ربما تشتد قساوتها مع عدم الصراحة بينهما، هذا أيضاً يخل ربما باستقرار الأسرة فيتستر على أفعاله وأقواله فتنشأ الضغينة، الشيء الذي يسبب إنعزال كل منهما عن الآخر وهذه خسارة كبرى بالنسبة للأطفال الذين يرغبون في العيش بسلام.
أما فيما يخص كيفية التغلب على هذه المشكلة، فيستخلص من كل ما سبق أنه قد تعتري البيوت أحياناً بعض الأمور السلبية والكذب هو أحد هذه الأمور الذي لا يجب أن يؤثر في حياة الزوجين، وأن تكون علاقتهما مدعمة بالصراحة والود والتفاهم من أجل الإستمرارية.

هنالك العديد من الحلول بيد الزوجة الصالحة للحد من هذه المشكلة في حياتها الزوجية وهي مسؤولة عن هذه المشكلة بالدرجة الأولى، وهي الصراحة، إن الصراحة هي قوام الحياة الزوجية السليمة الخالية من الشكوك والأمراض التي قد تهدد كيان الأسرة بالإنهيار، وإنه إذا ارتكزت الحياة الزوجية عليها كانت حياة هادئة هانئة، أما إذا أُقيمت على عدم المصداقية فإنها تكون حياة تعيسة يفقد خلالها كل من الزوجين ثقته بالآخر؛ لذا ينبغي شيوع المصداقية والشفافية في الحياة الزوجية الناجحة ولا غنى عنها بأي شكل من الأشكال كما أنها ضرورية لإيجاد التفاهم، وينبغي تربية الأبناء على سلوك الصدق والتخلق به كخلق إسلامي قويم تقوم عليه المبادئ والتشريعات الإسلامية، وهو خلق عظيم يهدي إلى البر هو كافة أوجه الخير للهداية إلى طريق الجنة.

والحقيقة أن الكذب جزء من الإنسان، وإذا أدركنا ذلك فسنصبح أكثر تسامحاً، والزوجة أو الزوج الذي يصارح نفسه بوجود هذه الصفة به يمكنه أن يتخلص منها من خلال محاسبة بعضهما في ذلك؛ بأن يُعطي كل منهما الآخر الفرصة كاملة؛ لكي يظهر على طبيعته ويترك النقد المستمر والتعليقات المؤذية، ومحاولة التفهم والتعرف والسماح وترك الـ( أنا) واستبدالها بـ(نحن) وبذل الجهد لتقويم العلاقة.

ويتلخص علاج مشكلة الكذب بين الأزواج في إعادة بناء جسر التواصل بين الزوجين، وشحذ الود والتفاهم وتوافر الثقة والتسامح والغفران والتراحم والتواد المتواصل، وإشاعة مناخ الأمن والأمان النفسي بين الأزواج.





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مساكن طيبة - الحلقة السابعة - الدورة البرامجية32.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا