الغيرة في المنظور النفسي
2020/01/25
1777

من الصعب أن يعترف إنسان ما بأنه شخص غيور، فالغيرة شعور لا ينظر إليه أحد بارتياح حتى لو كانت في حدود المعقول والمقبول، فالغيرة في العمل قد تكون حافزاً على المنافسة مع الآخرين، وفي الحبّ يقولون إنها مطلوبة وضرورية طالما هي هادئة، وبعضهم يكون أكثر ميلاً للغيرة بطبيعته على بعضهم الآخر، بل إنّ الشخص نفسه قد يكون غيوراً في موقف ما وغير غيور في مواقف أخرى.

حينما تعلو مشاعر الغيرة لدى شخص ما فليس ذلك معناه أنه مريض، وأنّ غيرته أصبحت مشكلة، فقد تسيطر على الشخص في انفعالاته وبشكل زائد، كما أنّ مشاعر الغيرة قد تؤثر تأثيراً سلبياً في حياة الشخص الغيور، ولا ننسى أنّ حياتنا الاجتماعية مضغوطة كوننا أناساً شرقيين، فصفة الغيرة ملازمة للمسلم في مواقف معينة، فيكون غيوراً على عرضه وماله ووطنه.

إنّ مظاهر الغيرة هي مزيج من القلق والخوف والتوتر والضيق، وتظهر في السلوك ولا يعبّر عنها مباشرة بالكلمات، ولعلّ الأطفال الذين يعانون من عدم الاستقرار، والحرمان من العطف يكونون أكثر عرضة للغيرة في رجولتهم من أولئك الذين أُحيطوا بالمحبّة من كلّ جانب، والأطفال الذين أُحيطوا بالتسامح والتفاهم من جانب الآباء يكونون أقل شعوراً بالغيرة في مستقبلهم.

صفات الإنسان الغيور:

الإنسان الغيور يحمل بعض ملامح الشخصية الاضطهادية التي لديها حساسية مفرطة للنقد، وعدم القدرة على الصّفح عن زلّات الآخرين وهفواتهم، والتشكيك الدائم، وفهم أفعال الآخرين على أنها عدائية مهما كانت بريئة، وللغيور اهتمام مفرط بحقوق ذاته من دون الوضع في الاعتبار حقوق الآخرين أو اهتماماتهم، والانشغال المسبق بالتبريرات الجاهزة للأفعال ليجسم ويبالغ في الأمور ويحمل الأشياء والكلمات والمواقف معاني بعيدة عن الحقيقة.

ومعظم الغيورين من الناس يعانون من الغيرة المفرطة، فهم يعانون من عدم الثقة بالنفس في أعماقهم، هذا على الرغم مما يحاولونه من تمويه بالتظاهر والأنانية البالغة، وقد يدفع بهم حرصهم على كتمان سرّهم إلى الغيرة الشديدة التي قد تصل إلى حدّ العنف والعدوان.

وحينما نتحدث عن الغيرة المرضية نقول إنها الغيرة التي تخرج عن نطاق السّواء النفسي، وتستحيل معها الحياة في هدوء وطمأنينة، فالغيرة المرضية هي لهيب يحرق كلّ شيء، وينزع الحب، وتقضي على الثقة، وتنتهي بغرس بذور الكراهية، والشخص المصاب بالغيرة المرضية تسيطر عليه مشاعر النرجسية وحبّ الذات، إذ يريد أن يكون محور انتباه الشخص الآخر واهتمامه إن أمكن كل الوقت، كما أنّ الشخص المصاب بالغيرة المرضية يتجاهل الأدوار المختلفة للشريك الآخر، حيث إن لكل شخص في حياته أدواراً متعددة يقوم بها، وبما أنّ ظروف مجتمعنا الحالي تستدعي وجود علاقات مهنية في العمل أو خارجه من هنا تبدأ ظهور المشاكل والمآسي والانهيارات، فالغيرة المرضية ما هي إلا ضلالات راسخة داخل الشخص يؤمن بها إيماناً مطلقاً، فهي كالوهم لا يستطيع التخلص منه، فهو راسخ وغير قابل للمناقشة.

العلاج

إنّ السلوك الإنساني من الممكن تغييره أو تعديله، فالغيرة المرضية سلوك معيب، ويمكن أن نخفض من حدتها الزائدة إذا عرفنا أسبابها، ولابد من أن تكون هناك نقطة معينة يستطيع فيها الشخص التحكّم في انفعالاته وعدوانيته ووساوسه، كما أنه لابد للإنسان من أن يكون صريحاً مع نفسه، وأن تكون هذه المصارحة عن طريق الحوار الهادئ، ويعلن عن شكوكه الخفية، كما لابدّ من توفير الجو الصحي لهذا الشخص للاعتراف بغيرته، ومن المهم أن يبتعد الشخص الآخر عن الأمور التي تهزّ الشخص العادي، والتي قد تثير كوامن الغيرة في الشخص الغيور، فيتحول إلى شخص عصبي، ويبقى أن نقول إنّ الغيرة مردّها إلى العاطفة وليس العقل، وأنّ سلاحها الوحيد هو التأني والبصيرة في اتخاذ القرارات حتى لا تتحول الغيرة إلى غيرة مرضية نهايتها الضياع للجميع.

وإذا ما لاحظ أحد الشريكين أن الآخر لديه الإفراط في الغيرة، فالموضوع ينتقل بجميع أركانه إلى مشورة ذوي الاختصاص في العلاج النفسي، ولوسائل الإعلام دور مهم في تقديم العلاج السلوكي للشخص الغيور، عن طريق تقديمه للقصة المتعلقة بالغيرة بصورة هادفة وذات معنى، وسيكون تأثيرها مباشراً في المتلقي.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: مجلة رياض الزهراء(عليها السلام) العدد 99- مجلة شهرية تصدر عن شعبة المكتبة النسوية في العتبة العباسية المقدسة.
د.عامر الحيدري/ أخصائي أمراض نفسية.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا