على عاتق من تقع مسؤولية تأمين النفقات المعيشية للأسرة؟
2019/12/22
761

أختي الكريمة لاشك  أن إحدى وظائف الزوج والتي ينص عليها عقد الزواج الدائم، تتمثل في توفير متطلبات ومستلزمات الحياة اليومية للزوجة كالمأكل والملبس والسكن واثاث المنزل والنفقات الاخرى الضرورية وعلى الزوج أن يتجنب المن على الزوجة والبخل عليها في أداء هذا الواجب الذي فرضه الله عليه فقد جاءت امراة الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسالته عن حق الزوج على المراة فخبرها ، ثم قالت : فما حقها عليه؟ قال: (يكسوها  ويطعمها من الجوع واذا اذنبت غفر لها، قالت: فليس لها عليه شيء غير هذا؟ قال: لا).

ماذا تعني عبارة « بالمعروف وبالشكل المتعارف عليه»؟ تعني أن ينفق الرجل على زوجته ويؤمن لها الماكل والملبس على أساس من العطف والاحسان والتعامل الرؤوف ووفقا للأسلوب المتعارف عليه بين الناس، فالإسلام يقول للرجل اياك ان تجعل زوجتك واولادك في ضائقة وعسر ومشقةعلى صعيد الاحتياجات والمتطلبات الاعتيادية المتعارف عليها.

عن ابي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل : (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمّا آتَاهُ اللّهُ) قال: (إذا أنفق الرجل على امراته ما يقيم ظهرها مع الكسوة وإلا فرق بينهما).

 وقال الإمام الباقر والإمام جعفر الصادق ـ سلام الله عليهما ـ في حديث مضمونه: « إن من يسعى قدر استطاعته للتوسعة على عياله والإنفاق على أسرته بعيداً عن الإسراف والتبذير فإن الله يحبه أكثر ويتقبل أعماله»، ولكن رغم هذه الوصايا الصريحة والواضحة فلا يزال هناك من يقتر على عياله وزوجته وأولاده ويضيق ويبخل عليهم بمتطلبات المعيشية وبالماكل والملبس والعلاج والدواء ويعيش حاضره بظلمة وعسر وكابة خوفاً من الوقوع في العسر والفقر والفاقة في المستقبل، إن هذا النهج وهذا الأسلوب هو من أسوأ الأساليب المذمومة ويؤدي الى أقبح العيوب والنقائص، فالبخل هو كالشريط الذي يجتذب إليه جميع القبائح والمساوئ ويثير سخط الزوجة والاولاد والاقرباء البعيدين والقريبين.

إن الغرور والتكبر والبخل من أسوأ الصفات في الرجل وعليكن أن تنصحوا مثل هؤلاء الرجال لأنه يصيبهم الغرور الى درجة أنهم يمتنعون حتى عن رد السلام على زوجاتهم وأولادهم، تقول إحدى الأمهات أن زوجي لا يظهر أدنى قدر من المحبة تجاه أولاده مما أدى الى ضياع الاسرة، فهو لم يقبل أحداً من أولاده حتى الآن ويقول: إذا قبلت أولادي فإنهم سيصبحون وقحين ويقول أيضاً: الولد عندما يكبر، يجب أن ينصرف ويبحث عن عمل ويجد ويسعى ويحصل على لقمة العيش، فقد كنت أنا يتيماً، وعلى هؤلاء أن يتصوروا أنهم ليس لديهم أب، والأسوأ من ذلك كله هو أن هذا الرجل لا يهتم حتى بزوجته، فحتى لو كانت زوجته على فراش الموت يرفض أن ياتي لها بطبيب أو يشتري لها الدواء، لا تتصوروا أنه لا يملك المال، كلا ! إنه على قدر كبير من الثراء ولكنه شديد البخل، لا يريد أن ينفق من أمواله ويقول: إذا أصبحت في المستقبل مقعداً ولم يكن عندي أي مدخول أو إيراد، فماذا أفعل؟.

ما أقبح هذا البخل الذي يجعل صاحبه يبخل حتى في رد السلام والتحية!

ما أسوأ هذا البخل الذي يمنع صاحبه حتى من تقبيل أولاده وإظهار المحبة تجاههم وإهداء البسمة لهم!

إن أسلوب التفكير الضعيف وضحالة المنطق والفقر الروحي والنفسي تترتب عليه مثل هذه النتائج القبيحة والبخل هو الغطاء الذي يخفي تحته هذا الضعف النفسي وهذا الفقر المعنوي والروحي، فالقلب الذي يغفل عن ذكر الله ويغض النظر عن رحمة الله الواسعة ولطفه الذي لا حدود له ويرفض أن يأنس مع الله ويكون في جواره وقربه، فإن مثل هذا القلب يبتلى بمثل هذا الآفات القبيحة التي تجلب لصاحبها الذل والهوان.

إن الذي يبتعد عن الماء يخشى من العطش والجفاف والفقر في المستقبل وترتعد فرائصه ويحرم نفسه وأهله مما أنعم الله عليه خشية أن يصاب بالفقر في المستقبل، وقال الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام): «عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب، وفاته الغنى الذي إياه طلب، يعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء».

البخل هو نتيجة الغفلة عن ذكر الله ونتيجة الابتعاد عن الباري سبحانه وتعالى ونتيجة لسوء الظن بقدرة الله اللامتناهية ونتيجة لعدم المعرفة بثروة الله التي لا حدود لها ورحمته وكرمه اللذين لا نهاية لهما، يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): « حسب البخيل من بخله سوء الظن بربه من أيقن بالخلف جاد بالعطية»  أي أن القلب الذي يعرف الله ويؤمن بأنه سبحانه وتعالى لا يخلف وعده ويسدد خطى عباده الذين يعملون ويسعون بهمم عالية وبجدارة وتدبير ويوصل لهم رزقهم ويضمنه لهم بمقدار سعيهم وعملهم، مثل هذا القلب لا يخشى الفقر أبداً ولا يحزن أو يحمل هما لغده ولا يجعل حياته الحالية المشرقة مرة ومظلمة بهذا الشكل على نفسه وعلى عياله، ولكن هل تتصورين يا أختنا الكريمة إن بالإمكان بمجرد تقديم النصح، اجتثاث جذور هذه الصفة القبيحة؟ وهل تعتقدين أن هذه الصفة الضارة والمؤذية التي تمتد جذورها كالشوك في كيان هذا الرجل ووجوده، بالإمكان إزالتها واجتثاثها بهذه السهولة من أعماق قلبه وإحراقها.

 على زوجك أن يشعر أولاً بقبح تصرفاته وأخلاقه ويطلع على وجود هذه الصفة في داخله ويصدق ذلك وبعدها يصمم على إنقاذ نفسه منها ويبدأ بواسطة مقص الإرادة والعزيمة وترويض النفس بقص الأغصان الظاهرة والبارزة المتفرعة عن هذه الشوكة غصنا بعد آخر وتقليعها من أعماقه ويتخلص منها وبعد ذلك عليه إن لا يقوم بأي عمل يصب في خانة هذه الصفة غير المحببة وغير المطلوبة، عليه أن يمتنع عن التكلم بما يرغب التكلم به وعليه أن يمتنع ـ وعليه ان يصدق وعد الله باعطاء الأجر والثواب على أعمال الخير وتوسيع الرزق على أفراد الأسرة... وبمثل هذه الأعمال والأفكار النظيفة يقتلع من وجوده وكيانه جذور القبائح والمساوئ لأن الله تعالى يقول في القران الكريم: (وَأَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيِ النّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللّيْلِ إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئاتِ ذلِكَ ذِكْرَى‏ لِلذّاكِرِينَ) لنسال الله تعالى تخضعا ولنرجه بذلة ان يبعدنا عن البخل والجشع والكبر والحسد وأن يمنن علينا بالفهم والبصيرة والقدرة على الجود والكرم والبذل والعطاء في سبيله.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: برنامج العائلة السعيدة- الحلقة التاسعة - الدورة الإذاعية 34


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا