آثار النظرة المُتفائلة وحُسن الظن
2020/03/16
696

إنّ الانسان يحتاج في صعيد الحياة المليء بالضوضاء الى اطمئنان الخاطر أكثر من أي شيء آخر ، فمن يشتغل على صعيد الحياة بالكفاح فيها بدون هذا السلاح فسوف ينتهي كفاحة لا محالة الى انهزام ، وكلّ ما كان ثقل الحياة أثقل كانت هذه الحاجة أشد وأكثر وأوغل . فعلينا أن نعرف الان كيف نستطيع أن ننجو من أسر الاضطرابات الشعواء ، وان نأوي الى جناح الطمأنينة والاستقرار .
انّ السعي وراء الثروة ، والقدرة ، والشهرة ، والمادة ، لتحصيل الطمأنينة سعي باطل ، وسوف تذهب جميع المساعي الشخصيّة في هذه الطرق سدى ، اذ أنّ منبع السعادة ليس الا في نفس الانسان ، كما أنّ منبع الشقاء أيضاً في نفس هذا العالم الباطني ، كما ينسب الى أمير المؤمنين عليه السلام قوله:

أتزعم أنك جرم صغير ... وفيك انطوى العالم الأكبر

دواؤك فيك وما تشعر... وداؤك منك ومــــا تبصر

فالدواء ـ كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نفس الانسان فلا يمكن أن نجد في المقتضيات الخارجية لهذا الهدف مثل ما نجده في الذخائر الثمينة من القوى الباطنية للانسان، فان جميع منابع الرفاهية الخارجية وجميع الوسائل والمتشبثات التي تتخذ في هذا السبيل مؤقتة زائلة ، فمحال أن تبلغ بالانسان الى الطمأنينة الكاملة، انما الفكر والخصائص الاخلاقية هي التي لا تزول، فهي التي تغني الانسان عن الالتماس والتوسل بالأمور الزائلة..يجب أن نعترف أنّ حلّ الكثير من الألغاز المدهشة في الطبيعة، وأنّ تكثير وسائل الحياة في العصر الحاضر ، لم يكف لايجاد حياة لا فلق فيها ولا اضطرب ، وليس أنها لم تستطع أن تقلل من آلام الحياة فحسب ، بل أتحفت البشرية تشويشاً وقلقاً واضطراباً جديداً، وعلى هذا، فمن أجل الابتعاد عن الالام المستمرة في الحياة، ولأجل الارتفاع عن سطح السحب السوداء التي سترت أرواحنا ، نحتاج الى الافكار النيّرة حاجة ماسة، انّ الفكر الذي يعدّ بحق اكبر القوى الفعّالة في حياتنا كما استطاع أن يسلط البشر على الحياة المادية، وأن يوجد تغييراً مذهلا في جميع شؤون الحياة، يستطيع أن يؤمّن الروعة فيها أيضاً ومن هنا يتجلى الدور الأساسي للفكر وأثره المدهش في حياة البشر.

ان الفكر النيّر منبع فياض، يقدم الانسان الى أعلى من حاجاته الماديّة ويعرّفه على عالم آخر، انّ الأفكار العالية تمنع الانسان الواعي من أن يصبح ألعوبة بيد القلب، انّ الذي ربيت قواه الفكريّة نافذة قويّة حتّى أصبحت مركز الثقل في وجوده ، يتمكن حين الوقوف على أعتاب الحوادث المرّة أن يتخذ حالة فكريّة ايجابية بناءه ، ويكون « كالجبل الراسخ، لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف».

ولأجل النجاة من سيطرة الحوادث، ومن أجل أن لا تقع سفينتنا في الحياة في خضم أمواج الافراط أو التفريط، يجب علينا أن نوجد في أفكارنا ميزانا نقيم به أنفسنا في تصرّفاتها فتقودنا الأفكار الصحيحة، للتي هي أقوم وتتجهز جميع قوانا الروحيّة ضد العوامل التي تولد القلق فينا، يقول أحد العلماء: « لعلنا لا نستطيع أن ننتخب أولئك الافراد القلائل الذين يشبهوننا من حيث الاخلاق أو النواحي الاخرى، ولكننا أحرار في اختيار افكارنا ، فاننا في عقولنا حكماء بما نشاء، وليست هذه المقتضيات والظروف والمؤثرات او الاشياء الأخرى التي نشاهدها في خارج عقولنا داخلة في عقولنا حتى تؤثر فيها أو تتحكم وتضطرنا الى أن نختار ما لا نريده من الأفكار، اذن فيجب علينا أن نتعرّض للافكار الصحيحة، وان نطرد عن عقولنا الافكار القاصرة، فاننا نتوجّه دائماً الى حيث تتوجه اليه أفكارنا، وبعبارة أخرى ان أفكارنا هي التي توجهنا أيّ جهة شاءت، فيجب علينا أن لا نبيح لأنفسنا أن نفكّر تفكيراً شريراً، ولا أن نشغل عقولنا بما نحن منه برآء، فانّ هذه الافكار هي التي تأسرنا فتسقطنا في انواع البلاء، يجب علينا دائماً أن نكون في التفكير نحو التكامل لا الانتقاص، يجب علينا أن نشغل أنفسنا بأحرّ الامال وأسمى الاهداف ، فان سرّ الموفقية والسعادة انما هو في التفكير السليم فحسب».

لنتعرف إلى آثار النظرة المتفائلة:

كما يختلّ النظام الجسماني بأنواع الاسقام ، كذلك تختل الطمأنينة الفكريّة بعوامل مختلفة من العادات والصفات الذميمة ، فانّ الفكر مع ماله من قوة لا يستغني عن السلوك الاخلاقي، وانما يجد الانسان لذة السعادة حينما يتحلى بالاخلاق وتنسجم نشاطاته الفكرية والاخلاقية بعضها مع بعض ، فيجب على الانسان اذن أن بقلع بقوة الارادة جذور تلك الصفات التي تخيّم على حياته كالسحب القائمة السوداء ، وأن يزرع مكانها عوامل الطمأنينة والاستقرار.

إنّ احد العوامل التي تساعد على الاستقرار الفكري هي « النظرة المتفائلة » الى الحياة، والثقة بالاخرين، انّ النظرة المتفائلة وحسن الظن بالناس يعدّ ضمانا للطمأنينة لمن يعيش في ساحة الحياة الانسانية ، على العكس من النظرة المتشائمة وسوء الظن بالاخرين فانها توقف النشاط الفكري وتقلل من قوّة التكامل فيه . انّ النظرة المتفائلة في الحياة كالنور في الظلمات ، تتسع في ظلالها آفاق التفكير، وينمو في الانسان حب الاحسان وبهذا يحصل للانسان لون أجمل وأحلى ، فيرى جميع الناس في الضياء ويحكم عليهم أو لهم حكماً جليّاً واضحاً، وتقلّ ألوان الامه وتنقد آماله ، ويحفظ علاقاته الظاهريّة والمعنوية والعاطفية مع افراد المجتمع على أحسن الوجوه.

لا شيء في الحياة يقلل من خضم مشاكل الحياة كما تقللها النظرة المتفائلة ، فان الذي يتمتع بهذه الفضيلة الاخلاقية لا ترتسم انوار المسرّة على محياه في حال الرضا فقط ، بل يلائم نفسه مع المشاكل والأمور السلبيّة في الحياة فيحلها برأيه الصائب وقوّة الأمل بكل بساطة، وتراه تشع من روحه دائماً أنوار الطمأنينة والاستقرار.

إن الحاجة الى اكتساب ثقة الاخرين بالشخص حاجة ضروريّة، ولاجل الحصول على الثقة بين الافراد يجب أن يدخل أصل حسن التفاؤل في برامج المعاشرات في هذه الحياة، وهذه حقيقة لها الاثر المباشر في سعادة الفرد والمجتمع.

إن وجود الثقة بين الأفراد من عوامل اطّراد ازدهار المجتمع وتقدّمه، والعكس صحيح أيضاً، فانّ فقدان الثقة بين الافراد مسن عوامل الانهزام والانحطاط في المجتمع، كلما كانت المواصلات بين الأفراد أعمق وأكثر كان تقدم المجتمع واطّراده أكثر وأسرع وانّ من أولى الثمار الاجتماعية للنظرة المتفائلة هو الائتلاف والتعاون والثقة فيما بينهم ، وانما يمكن التمتع بحياة من نوع التعايش السلمي فيما لو كان التعايش بين الافراد مبنياً على أسس العلاقات القلبية توأما مع الثقة بالاخرين وحسن الظن بهم، اما مع فقدان حسن الظن بين الأفراد وانتشار روح التردّد والتشكيك فلا يتحقّق التعاون بينهم ، بل يزاحم بعضهم بعضاً وينتقد بعضهم الاخر بلا مبرّر، ومن المقطوع به أن مثل هذا المجتمع سوف لا يكون إلا مجتمعاً صوريّاً ظاهرياً، فاقداً لما يمكن أن يكون للمجتمع من آثار ونتائج نافعة، يقول أحد العلماء: « انّ حسن الظن من مظاهر الإيمان، ولا يمكن أن يتحقّق أيّ عمل بدون إيمان وأمل».

والإسلام أيضاً يوصي بالتفاؤل وحسن النظر؛ فالإسلام بملأه لقلب المؤمن بالايمان قد غرس في قلبه أصل التفاؤل وحسن النظر ، وهكذا قاد المؤمنين إلى حيث الطمأنينة والاستقرار، وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) متّصفاً بهذه الصفة الى حيث اتهمه المنافقون بما حكاه عنهم القرآن الكريم فقال: «ويقولون هو أذن، قل أذن خير لكم، يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين» وأرادوا بقولهم هو اذن أن يصوّروا هذا الصفة الممتازة فيه بصورة كريهة غير مرغوب فيها.

إن الإسلام قد أمر المسلمين أن يحسن الظن بعضهم ببعض، وأن يفسّروا عمل المؤمن بالوجه الصحيح المشروع أو أن يحملوه على ذلك ، فلا يجوز لأحد أن يحمل عمل أيّ مسلم على الفساد من دون أن يكون له شاهد قاطع على ذلك قال أمير المؤمنين(عليه السلام): " ضع أمر أخيك على أحسنه، حتى يأتيك ما يقلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محتملاً.

 


 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برنامج درر الأخلاق- الحلقة السادسة.





تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا