الغضب وآثاره وطرق علاجه
2020/03/09
454


يروى أن رجلاً قال للنبي محمد (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله علمني، فردّ عليه رسول الله(ص وآله): اذهب ولا تغضب، فقال الرجل: قد اكتفيت بذلك، فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح فلما رأى ذلك لبس سلاحه ثم قام معهم، ثم ذكر قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين قال له  (لا تغضب ) فرمى السلاح ثم جاء يمشي إلى القوم الذين هم اعداء  قومه فقال لهم :يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحه أو قتل أو ضرب ليس فيه اثر فعلي في مالي أنا  اوفيكم، فقال القوم: فما كان فهو لكم نحن أولى بذلك منكم، قال فأصطلح القوم وذهب الغضب.

1- بعد ان استمعنا الى القصة القصيرة تعالوا معنا لنتعرف اكثر على الغضب من خلال تعريفه  فالغضب هو حركة نفسيه تحدث غليانا، ومنبعه شهوة الانتقام، وقد قال بعض علماء الأخلاق (أن الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقودة ألا أنها لا تطلع على الأفئدة، وإنها لمستكنه في طي الفؤاد استكان الجمر تحت الرماد).

يعرف الجميع أن القوة الغضبية لا يخلو منها قلب إنسان وكذلك الحيوان فهي استعداد فطري فكل منهما يغضب عند تقييد حركاته ويعوق سلوكه ويقف عائق  في سبيل تحقيق دوافعه وميوله ورغباته.
فالغضب جزء من تكوين الإنسان النفسي بل ضروره لا يستغني عنها الإنسان في حياته، وتثيرها حميتان الدين والحق والعدل والإنسانية، أما حمية الجاهلية المنبعثة من التكبر والجبروت وهي حالة عرضت لا بليس فكشفت حقيقته وهبطته من القمة إلى الحضيض وأصبح من المنظرين إلى يوم القيامة، حين قال مفتخرا على ادم بأصله انه خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) فاصل قصير ونعود من جديد، قال الإمام الباقر(ع): (مكتوب في التوراة فيما ناجى الله به موسى، امسك غضبك عمن ملكتك عليه اكف عنك غضبي).

ذم الغضـــب

نتحدث ألان عن ذم الغضب ونذكر لكم ما ورد من أحاديث بالنهي عنه، لقد نصت الأحاديث الشريفة المروية عن رسول الله وال البيت في ذم الغضب والنتائج التي تحصل للإنسان عند الغضب منها : قال رسول الله محمد (ص وآله): (الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل ) وقال الباقر (ع) (ان الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن ادم وان أحدكم أذا غضب احمرت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم من ذلك على نفسه فليلزم الأرض فان رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك ) وقال الصادق  (الغضب مفتاح كل شر والغضب ممحق لقلب الحكيم فمن لم يملك غضبه لم يملك عقله ) وقال أمير المؤمنين علي (ع) (الحدة ضرب من الجنون لان صاحبها يندم فأن لم يندم فجنونه مستحكم )وقال أيضا(كان النبي محمد صلى الله عليه واله لا يغضب للدنيا، و أذا أغضبه الحق لم يصرف احد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له )، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الغضب مفتاح كل شر).

 مفاسد الغضب  والأضرار التي يؤدي إليها:

للغضب مفاسد وأضرار وخيمة على الإنسان لا تحد بحدود ومن هذه الأضرار: 

أولاً: يفسد الإيمان فإذا سيطرت القوة الغضبية على القوة العقلية للإنسان فقد تخرج الإنسان من الإنسانية وتدخله الى عالم الحيوانية فيتعدى الحدود التي شرعها الله تعالى ويتجاوز القيم الأخلاقية ويخرج من دين الله تعالى، فيهتك الحرمات والمقدسات لذلك يقول الرسول الكريم(ص وآله) إن الغضب يفسد الأيمان كما يفسد الخل العسل.

ثانياً: يسلب الإنسان القوة والإدراك والتعقل ويفقده الإرادة الواعية ويجره إلى ارتكاب أفعال وجرائم فضيعة وتؤدي به إلى خسران الدنيا والأخرة معا فعن الصادق (ع) انه قال (أي شيء أشد من الغضب؟ فإن الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرم الله، ويقذف المحصنة) وبالتالي يخسر الدنيا بأن يحاكم ويحكم عليه بالقتل والقصاص ويخسر الأخرة لأنه قتل نفساً محرمة وجزاؤه جهنم.

ثالثاً: إن نهاية كل غضب ندم شديد فبعد أن يسكت الغضب عن الإنسان يرى نفسه قد خرج من طور الأدب فيندم ويلوم نفسه على ما صدر منه من سوء تصرف وبالتالي يؤدي إلى مذلة الاعتذار وطلب العفو من الآخرين كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): (إياك والغضب فأوله جنون وأخره ندم).


رابعاً: لقد أكدت الدراسات وعلماء الطب أن الغضب هو سبب المباشر لكثير من الأمراض الجسدية والنفسية  وقد أكدت على ذلك روايات أهل البيت حيث قال أمير المؤمنين (ع) (من أطلق غضبه تعجل حتفه).

عــــلاج الغضــب

لنتعرف وإياكن على طرق علاج الغضب حيث اختلف علماء الأخلاق في إمكانيه علاج الغضب وإزالته نذكر منها ما يلي:

1- أزالة الأسباب المهيجة له إذ إن لكل علة بالجسم مادتها ومواد الغضب العجب والفخر والكبر والغدر والمزاح والاستهزاء وشدة الحرص على بقاء الجاه، والأموال الفانية وهي بأجمعها أخلاق رذيلة ولا خلاص من الغضب ببقائها فلا بد من أزالتها حتى نزيل الغضب.


2- أن يتذكر الإنسان قبح الغضب وسوء عاقبته وما ورد من الذم عليه في الأحاديث والروايات.

3- أن يتذكر ما ورد من مدح والثواب على دفع الغضب في موارده كقول الرسول الكريم(ص وآله): (من كف غضبه عن الناس كف الله عنه عذاب يوم القيامة).

4- أن يتذكر فوائد ضد الغضب وهو الحلم وكظم الغيظ وما ورد من مدح عليهما في الأخبار.

5- أن يحترز من مصاحبة أرباب الغضب والذين يتبجحون بتشفي الغيظ وطاعة الغضب ويسمون ذلك شجاعة ورجولة.
 قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (الغضب ممحق لقلب الحكيم)، إن الغضب لا يورث العبد إلا الندم فلو انزعجت من تصرفات أولادك مثلاً تحلي بالصبر ولا تغضبي وتتسرعي وتضربيهم فلربما تؤدي إحدى تلك الضربات الى عواقب وخيمة، نحكي لكم حكاية من واقع إحدى أسرنا حيث غضبت الأم من ابنتها وأمسكت بحقيبتها ووجهتها بقوة الى تلك الفتاة الصغيرة ظناً منها أن الحقيبة -أي حقيبة الأم-  فارغة لكن مع بالغ الأسف كانت الأم عائدة تواً من السوق وقد اشترت سكيناً لتقطيع الفواكه وجعلتها في حقيبتها ونسيت ذلك وسرعان ما شرخت السكين وجه الفتاة الصغيرة وشوهت وجهها البريء وبالتالي ندمت الأم ندماً شديداً على ما فعلت.
  وفي الختام نتمنى من الأخوات المستمعات أن تتحلى كل واحدة منهن  بالهدوء وعدم السرعة في معالجة المواقف بالغضب والصراخ وخاصة فيما  يهم أمر البيت والأولاد والأهل فالغضب لا يجدي نفعاً مع الآخرين بل يسوء الأمر أكثر وأكثر فعليك بالتروي والهدوء وعدم الانفعال ومعالجة الأمور بالنقاش والتفاهم ليسود الحب والوئام بين أفراد الأسرة وأفراد المجتمع ككل.
 
 
 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج بأخلاقي أحيا- الحلقة الخامسة- الدورة البرامجية47.
 

 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا