الصفح والتسامح
2020/03/07
607

إن معنى التسامح هو الاحترام وقبول الآخر بكل ما يرتبط به من ثقافةٍ وحضارةٍ وسلوك ودين وعرق وغيرها من الاختلافات بين الناس في عالمنا، واعتبار التسامح ضرورة مهمة في الحياة سياسيًّا وقانونيًّا وليس مجرّد فِعلٍ أخلاقي حميد، وصفة فضلى تنشر السَّلام في العالم، وتساعد على إحلال ثقافة السَّلام والتعايش محلّ ثقافة الحرب ورفض الآخر.

ان التسامح لا يعني التَّنازل من طرفٍ لآخر، كما لا يعني المجاملة أو المحاباة بل هو موقف يعتمد على الاعتراف الكامل والمُطلق بالحقّ الشَّخصي للإنسان والحريات الرئيسية للطرف الآخر.

ويجب أن ندرك بان العمل على تطبيق مفهوم التسامح لا يكون بالأقوال بل بالاعتراف بحق كل إنسان على وجه الأرض باختيار ما يريد من حيث المعتقدات والمذهب والفكر والنهج الذي يسير عليه، كذلك للطَّرف الآخر نفس الحقّ دون تفريقٍ أو تمييز دون أن يكون لأحد السلطة على فرض الرأي على الآخر.

إن الصفح من أسمى الصفات التي أمرنا بها الله عز وجل ورسولنا الكريم، فالتسامح هو العفو عند المقدرة والتجاوز عن أخطاء الآخرين ووضع الأعذار لهم، والنظر إلى مزاياهم وحسناتهم بدلاً من التركيز على عيوبهم وأخطائهم، فالحياة قصيرة تمضي دون توقف فلا داعي لنحمل الكُره والحقد بداخلنا بل علينا أن نملأها حب وتسامح وأمل حتى نكون مطمئنين مرتاحو البال، وهو يقرب الناس لنا ويمنحنا حبهم:

يعد التسامح أحد المبادئ الإنسانية، وما نعنيه هنا هو مبدأ التّسامح الإنساني، كما أن التسامح في دين الإسلام يعني نسيان الماضي المؤلم بكامل إرادتنا، وهو أيضاً التخلي عن رغبتنا في إيذاء الآخرين لأيّ سببٍ قد حدث في الماضي، وهو رغبة قويّة في أن نفتح أعيننا لرؤية مزايا النّاس بدلاً من أن نحكم عليهم ونحاكمهم أو ندين أحداً منهم. والتّسامح أيضاً هو الشّعور بالرّحمة، والتّعاطف، والحنان، وكلّ هذا موجود في قلوبنا، ومهمٌّ لنا ولهذا العالم من حولنا.

قال تعالى: (وإن تعفو أقرب للتقوى).. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك".

نعم.. إن التسامح يجعل عبء الحياة أقل ثقلا مما هي عليه، والصفح هو الطريق إلى الله والحب والسعادة وهو الجسر الذي يتيح لنا مفارقة الذنب واللوم والخزي وإنه يعلمنا إن الحب أساس السعادة التسامح ينقي الهواء ويطهر القلب والروح ويجعلنا علي صلة بكل شئ مقدس فمن من خلال التسامح نجد أنفسنا مرتبطين بما هو أكبر من أنفسنا ومما هو وراء تصورنا وفهمنا الكامل إنه ليدعونا إلى إن نستشعر الأمن والاستقرار النفسى، وإن أسوأ ما يفعله المرء هو أن يخلق مبرراً منطقيًا ليرتكب سوءاً غير منطقي، ثم يتوجب علينا بعد أن يعود إلى رشده أن نسامحه، فأي معادلة تلك اخواتي التي يتساوى فيها المسيء مع الضحية.

 التسامح الذي يقود التعايش والاستقرار الاجتماعي وتطوير أواصر وأسباب التعاون بين مختلف أبناء وشرائح المجتمع، هو من صميم القيم الإسلامية النبيلة، وكل إنسان خالف ذلك، ومارس الغلظة والشدة في علاقاته الإنسانية والاجتماعية لدواعي مختلفة، هو الذي يحتاج إلى مبررات واجتماعية..فالأصل في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، أن تكون علاقات قائمة على المحبة والمودة والتآلف، حتى ولو تباينت الأفكار والمواقف.

أخواتي الكريمات إن التسامح بما يعني من قيم وسلوك ومواقف هو جسرنا لإعادة تنظيم علاقتنا الداخلية، بما يوفر لنا إمكانية حقيقية وصلبة لمواجهة كل التحديات والصعوبات فالتسامح اليوم ليس فضيلة فحسب، بل هو ضرورة اجتماعية وثقافية وسياسية، وذلك من أجل تحصين واقعنا أمام كل المخاطر الزاحفة إلينا، والتي تستهدفنا في وجودنا ومكاسبنا وتطلعاتنا ولا شك أن تعميم وغرس هذه القيمة في فضائنا الاجتماعي مستنمعاتنا بحاجة إلى سياج قانوني وإجرائي يحمي هذه القيمة ويوفر لها الإمكانية الحقيقية لكي تستنبت في تربتنا الاجتماعية، فإن في روح الاسلام من العفو والسماحة الانسانية تجاه البشرية كلها ما لا يملك منصف من البشر أن ينكره، فهي تحث على تآلف الاجناس، واشاعة التراحم والمودة بين الناس، والتأدب بالآداب الاسلامية، ونبذ الحقد والحسد والتباغض، ليتحقق العدل والانصاف واعطاء الحقوق لأصحابها والمساواة بين بني البشر.

وان الرسول (ص وآله) قال: «ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله». فالمعنى أن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاده الله عزة وكرامة ورفعة الى جانب جزيل المثوبة في الآخرة.

 نستنتج مما تبين أن التسامح هو أحد العناصر الأساسية في حياة الفرد المسلم ولابد من وجوده في حياتنا لننعم بوهج الأمل ونستنير بنوره فحياة بلا صفح ومسامحة هي حياة تسودها العداوة والبغضاء لا أمل فيها ولا نقاء.

نسال الله تعالى أن يجعلنا ممن يصفح ويعفو ونسأله تعالى أن يعفو عنا ويرحمنا إنه سميع الدعاء قريب مجيب.








ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج وهج الأمل - الحلقة الثالثة- الدورة البرامجية44.

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا