لا تسيء إلى من أساء إليك
2020/02/08
264

بعد المجابهة والمصالحة ومسامحة النفس، يعود المرء إلى دراسة مشاعره وأفكاره، إنما من منطلق جديد يكون محوره فهم شعوره وموقفه تجاه مَنْ أساء إليه.. وقد يجد صعوبة في التجرّد في الحكم على الآخر، حيث أن مجرد التفكير فيما حصل معه قد يستفز المشاعر السلبية مجدداً في كيانه.

هنا، تكمن مجددًا أهمية إعمال المنطق الايزوتيريكي الذي يتمحور حول عدم إطلاق الحكم على أي شخص، وعدم محاسبة الآخرين على الأخطاء التي يرتكبونها حتى تجاهنا.. إذ إنّ قانون الحياة عادل ومنصف، ويحاكم الآخرين على أعمالهم.

ومع هذه الخطوة العملية يكون قد فعّل الإنسان هذه الخطوة المهمة "بأن لا نسيء إلى مَنْ أساء إلينا".

ضرورة التناسي: 

هنا، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: كيف يستطيع الإنسان أن يحقق (التناسي) والذي هو ركن أساسي لمسامحة الآخر؟

كي ينجح المرء في تحقيق المسامحة في الواقع الحياتي، معناه أنه استطاع أن يحرّر نفسه من كل شعور سلبي تجاه الآخر.. وهذا لا يعني أن يحبّ من أساء إليه أو يتصرف معه كما كان معتادًا، بل أن يحرر نفسه من الكراهية عبر فهم أسباب تصرفات من أخطأ تجاهه. فمتى فهم الإنسان الأسباب، واستطاع أن يتقبل أن كل إنسان يخطئ، تتوسّع حينها محبته العملية مع هذا الآخر.. فالمحبة الواعية هي المحبة العملية التي تنير حكمة تصرف الإنسان في كيفية التعامل مع الشخص الذي أساء إليه، وفقًا لنوعية العلاقة معه، ونوعية الإساءة التي اقترفها تجاهه.

 بمعنى آخر، حين يخطئ أحدهم تجاه شخص ما، ومن ثم يسامحه عبر غضّ النظر عن خطئه وإكمال علاقته به وكأن شيئًا لم يكن، (أي من دون أن يوضح مكامن الخطأ الذي ارتكب في حقه حتى يعيد الآخر النظر في كيفية التعامل معه وتصحيح خطأه إن كان من مجال للتصحيح)، يكون التسامح هنا ضعفًا، وانتقاصًا وتذليلاً.. ضعفاً في الشخصية وفي المواجهة.. انتقاصًا في المحبة العملية، وتذليلا لصوْن الكرامة.. ولا عجب حينها أن يساء إلى المرء نفسه مرة أخرى ومن الشخص نفسه أو من شخص آخر.

أما حين يضع المرء النقاط على الحروف بشكل حازم وجازم مع الشخص الذي اخطأ تجاهه حتى لو لم يصحح خطأه، فتكون مسامحته قوة؛ إذ إنّه حافظ على كرامته، وأعطى فرصة للشخص أن يقوّم تصرفه.. علمًا أنّ المرء قد يقوم بهذه المواجهة مع الآخر من دون ترقّب إعادة العلاقة أو قطعها.. فالمسامحة قوة حين تبدأ من الداخل إلى الخارج بغض النظر عن ردة فعل الآخر.

في الختام، لا بد من القول: إنّ في المسامحة تحررٌ.. تحررٌ من ثورة الغضب وفوران المشاعر.. هي مجابهة النفس، مصارحتها، مصالحتها، ومسامحتها.. هي إرادة مواجهة الخطأ بالصواب.. وعزم الوعي إلى الارتقاء إلى الأعلى.




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة صدى الروضتين/ العدد 276 - صحيفة عامة مستقلة نصف شهرية تصدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة- لبنى نويهض.

 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا