غزو ثقافي أم تمازج حضاري وتفاعل ثقافات؟
2020/02/08
301

أصبحنا اليوم نسمع الكثير من التسميات لعادات بدأت تظهر للعيان في مجتمعنا وهي غريبة عنه ولا تمتّ له بصلة، ولكن الأهم إن هذه العادات أخذت حيزاً من المجتمع وبدأ العديد من شبابنا التكيف معها مثل (مراد علم دار والأبطال الأتراك).

ومنذ وقت تجول في خاطرنا عدة تساؤلات عمّا يمرّ به مجتمعنا العراقي، أود أن أخرجها وأطرحها ها هنا وعلى من يقرأ أن يجد جزء الجواب.

هل هذه العادات هي فعلاً غزو ثقافي مثلما يصفها أغلب الكتّاب في طرحهم وينددون بها، فإن كانت كما يصفون فلماذا يرحب بهذا الغزو؟!

ما أسباب احتضان مجتمعنا لها؟! ولماذا نحن وليس غيرنا؟ ليطلق عليه البعض اسم "التطور" ولماذا لا أسميه تفاعل ثقافات؟!

لنرى النفس ماذا تقول؟ لنطلق العنان للبصيرة والعقول ونستجلب الدواء الشافي.

فأجابت نفسي: وكيف لي ذلك وأنا أجدها لا تنتمي لا للإسلام ولا لعادات مجتمعي العراقي، وعقلي ووجداني يقول لي: إنها غزو ثقافي المراد منه هو طمس تعاليم دين أراد له ربّ العزة أن يكون خاتم الأديان، هنا قد أكون أنا رجعي في تصور البعض ولكن هذا ما جال في خاطري.
ولكن يحتج البعض ويقول كيف تفسر تساؤلات تطرح في الساحة الثقافية والإعلامية والأدبية من البعض إذ يذهب برأيه ويقول: "إن العرب المسلمين هم من بدأ الغزو الفكري ونشروا فكر وتعاليم الإسلام" في بلاد غير العرب، قد أجيب وأدافع من منطلق رأي لا يمكن أن يختلف فيه عاقلان. يمكن أن نسمي هذا الغزو مشروعاً لأنه أفاد في نشر ثقافة وتعاليم التسامح والعيش السليم والذي لم تعرفه البشرية من قبل، في وقت كان النظام السائد هو نظام الغابة، القوي يأكل الضعيف.

ولكن احتجوا عليَّ بسؤال ثانٍ: إذن لماذا تنددون دائماً بالغزو الحاصل لكم الآن، ألا يمكن أن يكون مشروعاً وأنتم تلاحظون أنه وجد صداه في الأوساط المجتمعية وبدأ الشباب يتكيف معه؟!.

وهذا قادني إلى عدة أمور محيرة، هل ما يشن علينا من مختلف الجهات وبمختلف الطرق والإمكانيات، هو سلبي أم إيجابي؟ هل هو من باب الخلاص من ثقافة كانت تجثوا على الصدور؟ أم أن الجديد يتماشى ومتطلبات التطور؟

هل هنالك نقص في ثقافة دفعتنا لقبول الغير أم أن الغزو جاء بأمور ايجابية لا تنقصنا بل تكمل ما نحن فيه؟!.

وسأذكر لكم هنا مثالاً بسيطاً، قبل فترة شاهدت فتاة في مقتبل العشرينات من عمرها، ويبدو عليها إنها طالبة جامعية، وكانت ترتدي الحجاب في جزء من جسمها، الرأس، وكان حجاباً شرعياً بمعنى الكلمة، ولكن الغريب في الأمر أنها كانت ترتدي تنورة تصل إلى دون الركبة وكانت ضيقة جداً، وقد ارتدت (الحجل) ليصدر صوتاً عند مسيرها! فتعجبت إذ جمعت بين حجاب الرأس الإسلامي واللبس الغربي للجسم والزينة الجاهلية للقدم.

أنا أجد أن الذي يحصل هو غزو ثقافي وتلقي جزافي له دونما معيارية، أكثر منه تفاعلاً ثقافياً، نعم لا مانع من تفاعل الثقافات الصالحة والمقبولة دينياً وأخلاقياً إلّا أنّ أمر التفاعل في أوساطنا الإسلامية لم يكنْ في صورته الصالحة، بل على العكس راح التفاعل ينجر خلف الهابطات من سفاسف الأمور والظواهر تاركاً الاستفادة من الماكنة العلمية والتقنية وحتى القانونية منها.

ولذا يجب أن يتحمل الشباب الواعي التنظير لصورة التعاطي مع ثقافات الوقت وظواهره، ورصد السلوكيات والفكريات والثقافيات ومعرفة رأي الشريعة الإسلامية فيها من باب أن لكلّ واقعة حكماً وموقفاً شرعياً، صغيراً كان الموضوع أو كبيراً، وهذا يتطلب جهداً علمائياً واعياً يستوعب حاجة الوقت – وهذا الجهد موجود لدى علمائنا وقد أثمر عن مئات الكتب في الفقه تعطي الأحكام في شتى مناحي الحياة – وجيلاً يحمل هذا الجهد، بدلاً من ترك الحبل على غاربه ومن ثمّ يلتف الحبل على حامله ويخنقه غيلة فيموت حتف أنفه بنفسه.




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: مجلة رياض الزهراء (ع) العدد98 - مجلة شهرية تصدر عن شعبة المكتبة النسوية في العتبة العباسية المقدسة- د. إيمان سالم الخفاجي.

 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا