المرأة في ظل الحضارة الغربية
2020/01/27
392

    لا شك أن البشرية اليوم قطعت أشواطاً كبيرة في ميادين العلم والتطور والمعرفة والتكنلوجيا وعلى كافة الصعد، وكذا الحال في مجال الحريات وحقوق الإنسان، وهذا ما لا يسع المنصف إنكاره؛ لأننا ننعم بفضل اختراعاتهم وابتكاراتهم، فهم في تقدم مستمر في هذه الميادين.

أما فيما يخص المرأة، فقد أعطتها الحضارة الغربية اليوم من الحرية الشيء الكثير، ونحن وإن كنا نتفق معهم في بعض منافذ هذه الحريات: (كحرية الدين، والمعتقد، والتعبير عن الرأي، وحفظ الكرامة، وحرية اختيار الزوج، والعمل المناسب، والتملك وغيرها...)، لكن من المؤسف أنهم سلكوا مسلك الإفراط في بعض مصاديق الحرية الغربية الجديدة، مما أضر بالمرأة ككيان مؤثر في المجتمع له حقوق وعليه واجبات، فحضارة الغرب اليوم أعطت الضوء الأخضر لحرية المرأة بلا قيود أو اعتبارات اجتماعية أو أخلاقية، وهذا ما حط من منزلة المرأة لو كانوا يعلمون.

نعم، إن المناداة بحقوق المرأة تنسجم في كثير من فقراتها مع ما منحها الإسلام من حقوق حفظت لها كرامتها، وسبق بذلك كل أطر الحرية التي تتبجح حضارة الغرب اليوم بتوفيرها للمرأة، ولا ننسى أنه في عام (1857) خرج آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف (اللا إنسانية) التي كن يجبرن على العمل تحتها.

ورغم أن الشرطة تدخلت بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات، إلا أن المسيرة نجحت في دفع المسؤولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية.

وفي الثامن من مارس من سنة (1908) عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك، لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس، وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها، واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار (خبز وورود)، طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل، ووقف تشغيل الأطفال، ومنح النساء حق الاقتراع.

شكلت مُظاهرات الخبز والورود بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة، خصوصا بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف، رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب.

وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم المرأة الأمريكية؛ تخليدا لخروج مظاهرات نيويورك سنة (1909) وقد ساهمت النساء الأمريكيات في دفع الدول الأوربية إلى تخصيص الثامن من مارس كيوم للمرأة، وقد تبنى اقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم واحد في السنة، للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي، بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة.

غير أن تخصيص يوم الثامن من مارس كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا بعد سنوات طويلة بعد ذلك؛ لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة سوى سنة (1977) عندما أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة، فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس.

تحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن، ولكن هذا الإفراط في المناداة بحرية المرأة أفرز سلوكيات لا تنسجم وطبيعة المرأة، ولا الدور المنتظر منها، فنجد المرأة الغربية اليوم تخوض ميادين الابتذال بشتى أشكالها وتحت أي مسمى كانت من فن أو رياضة أو مهنة، وكل ذلك تحت عنوان حرية المرأة، والأمثلة والشواهد كثيرة جداً.. فللمرأة المتزوجة مثلا حرية إقامة علاقة خارج إطار الزوجية..! ونجد أيضا زواج المثليين الذي أقرته وأجازته بعض الدول الأوربية مؤخراً..! ونجد كذلك اعتبار الفجور مهنة يحق للمرأة أن تمتهنها دون مانع..!
وفي الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة الاعتراض والاحتجاج على بعض القوانين والأنظمة عن طريق التعري الكامل أمام الكاميرات في المناطق العامة، ويعتبرون ذلك خير وسيلة للتنديد بالظلم والاضطهاد..!

والأمثلة والشواهد كثيرة جداً.. والعاقل اللبيب يميز بين ما وفره الدين الإسلامي الحنيف للمرأة من كل ما يحفظ لها كرامتها ويصونها من ملوثات الدنيا وعلى ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الخالدة، وبين ما تدعي حضارة الغرب اليوم أنها حرية المرأة الحقيقية.. والله المستعان على ما يصفون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: أرشيف صدى الروضتين العدد 259/ بقلم عبد المحسن الباوي.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا